كبسوله قانونية
في
القانون الإداري (2)
بقلم: ياسر الطيب الحاج _ المستشار القانوني والمحكم المعتمد
سلسلة كبسولات خاصة بالقانون الإداري (2):
نظم الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة:
إن الدول تختلف في السبل التي تتبعها في رقابة القضاء علي الإدارة فمنها ما يأخذ بنظام القضاء الموحد ومنها ما يأخذ بنظام القضاء المزدوج ولأهمية هذا الأمر نتطرق باختصار لكل من هذين النظامين فيما يلي :
أولا نظام القضاء الموحد (الأنجلوسكسوني):
وتأخذ بهذا النظام إنجلترا والدول المتأثرة بنظامها كالولايات المتحدة وأخذت به كذلك بعض الدول العربية كالسودان والعراق والأردن وليبيا ، وفي إنجلترا لا يوجد قضاء إداري منفصل عن القضاء العادي وإنما تخضع الإدارة للمحاكم العادية التي يخضع لها الأفراد كما تخضع للقانون الذي يخضعون إليه .
ثانيا : نظام القضاء المزدوج الفرنسي :
لأسباب تاريخية ترجع إلي تعسف القضاء وعرقلته للإدارة في أدائها لأعمالها قام قضاء إداري متخصص في فرنسا سمي مجلس الدولة، وكان ذلك نتاج تطور استمر منذ عام 1790م حيث حرم القضاء الفرنسي من التعرض للإدارة حتى عام 1989م حيث حكم المجلس في قضية (كادو) ونصب نفسه قاضيا عاما للمنازعات الإدارية بدلا عن الإدارة القاضية، ووجود قضاء متخصص اقتضى وجود مبادئ قانونية خاصة إذ من غير المعقول الخروج علي نظام القضاء الموحد وإنشاء قضاء إداري مع تطبيق نفس المبادئ القانونية التي يطبقها القضاء العادي.
ومن ثم فقد لازمت إزدواجية القضاء إزدواجية القواعد القانونية ، وعند زوال هذه الأسباب التاريخية رأي الفقهاء الإبقاء علي القضاء الإداري لأنه إستطاع أن ينشئ قانونا جديدا هو القانون الإداري وهو – بلا شك – الأقدر علي تطبيقه وتطويره دون المحاكم العادية التي تنقصها الخبرة اللازمة في هذا الشأن .
وقد أخذت بهذا النظام الكثير من الدول كهولندا واليونان وتركيا وإيطاليا وبلجيكا وبعض الدول العربية كسوريا ومصر ولبنان والسعودية.
نظام الرقابة القضائية في السودان:
سار السودان في الخط الانجليزي إلا أن مبدأ عدم مسؤولية الدولة لم يكن مقررا هنا بل إن مبدأ مسؤولية الدولة في خضوعها للقانون قد تقرر في المادة 7 من دستور السودان المؤقت لسنة 1956م وهو أول دستور للسودان بعد نيله للإستقلال ، وقد تواتر النص في الدساتير الأخرى فأصبح مبدأ المسؤولية مبدئاً دستوريا ، وتبعه في ذلك القانون الحالي وهو قانون القضاء الإداري لسنة 2005م . هذا ولم يقتصر النص على مبدأ مسؤولية الدولة على السودان فقط بل أن كل الدول التي إتبعت النظام الأنجلوسكسوني – بخلاف إنجلترا – جعلت الأصل هو مسؤولية الدولة عن أعمالها .
سبق القول أن السودان سار علي درب الأنظمة التي تأخذ بالقضاء الموحد ومن ثم فان إطلاق لفظ المحكمة الإدارية والقضاء الإداري في السودان إنما يطلق مجازا ويراد به المحكمة العادية عندما تمارس إختصاصها في نظر الطعون الإدارية، وذلك بالضبط كما نقول المحكمة المدنية والمحكمة الجنائية.
أما الإختصاص بنظر الطعون فقد كان قديما – قبل صدور قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م – للمحكمة الكلية في المديرية إتباعا للنظام الانجليزي ثم جعل قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م وأخيرا صدر قانون القضاء الإداري لسنة 1996م وجعل الاختصاص لقاضي المحكمة العليا فيما يتعلق بقرار رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الاتحادي وحكومة أي ولاية وأي وزير اتحادي او ولائي وجعل ما عدا ذلك من اختصاص محكمة الاستئناف ثم عدل هذا الآخر بمرسوم مؤقت بتاريخ 8/3/1997م جعل الاختصاص بالطعن في القرارات الأخيرة لقاضي محكمة الاستئناف بدلا عن محكمة الاستئناف . وهو الذي صدر به قانون القضاء الإداري الحالي لسنة 2005م
ويلاحظ أن قانون القضاء الإداري والدستوري لسنة 1996م هو أول نص تشريعي يطلق لفظ القضاء الإداري (ثم تبعه في ذلك القانون الحالي) ولكنه بالطبع لم ينشئ قضاء إداريا منفصلا وإنما نص على دائرة إدارية بالمحكمة العليا ليست منفصلة وإنما هي كالدائرة المدنية والجنائية.